الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة، اشتاق إلى مكة، فأنزل الله {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} إلى مكة.وأخرج ابن مردويه عن علي بن الحسين بن واقد رضي الله عنه قال: كل القرآن مكي أو مدني غير قوله: {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} فإنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج مهاجرًا إلى المدينة. فلا هي مكية ولا مدنية، وكل آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فهي مكية. فنزلت بمكة أو بغيرها من البلدان، وكل آية نزلت بالمدينة بعد الهجرة فإنها مدنية. نزلت بالمدينة أو بغيرها من البلدان.وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: إلى مكة. زاد ابن مردويه {كما أخرجك منها}.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إلى مولدك؛ إلى مكة.وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك رضي الله عنه، مثله.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: الموت.وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: الموت.وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وأبو يعلى وابن جرير عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: الآخرة.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: إلى يوم القيامة.وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه، مثله.وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} قال: يحييك يوم القيامة.وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إن له معادًا يبعثه الله يوم القيامة، ثم يدخله الجنة.وأخرج الحاكم في التاريخ والديلمي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم {لرادك إلى معاد} قال: الجنة.وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وأبو يعلى وابن المنذر عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: معاده الجنة، وفي لفظ معاده آخرته.وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {لرادك إلى معاد} قال: إلى معدنك من الجنة.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس {إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} قال: لرادك إلى الجنة، ثم سائلك عن القرآن.وأخرج الفريابي عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: إلى الجنة.وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لرادك إلى معاد} قال: هذه مما كان يكتم ابن عباس رضي الله عنهما.وأخرج ابن أبي حاتم عن نعيم القاري رضي الله عنه {لرادك إلى معاد} قال: إلى بيت المقدس.{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}.أخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه قال: لما نزلت {كل من عليها فان} [الرحمن: 26] قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلما نزلت {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران: 18] قالت الملائكة: هلك كل نفس، فلما نزلت {كل شيء هالك إلا وجهه} قالت الملائكة: هلك أهل السماء وأهل الأرض.وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {كل نفس ذائقة الموت} قال: لما نزلت قيل: يا رسول الله فما بال الملائكة؟ فنزلت {كل شيء هالك إلا وجهه} فبين في هذه الآية فناء الملائكة والثقلين من الجن والانس وسائر عالم الله، وبريته من الطير والوحش والسباع والأنعام، وكل ذي روح أنه هالك ميت.وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه {كل شيء هالك إلا وجهه} يعني الحيوان خاصة من أهل السموات والملائكة ومن في الأرض وجميع الحيوان، ثم تهلك السماء والأرض بعد ذلك، ولا تهلك الجنة والنار وما فيهما، ولا العرش، ولا الكرسي.وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما {كل شيء هالك إلا وجهه} إلا ما يريد به وجهه.وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {كل شيء هالك إلا وجهه} قال: إلا ما أريد به وجهه.وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن سفيان قال: {كل شيء هالك إلا وجهه} قال: إلا ما أريد به وجهه من الأعمال الصالحة.وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن ابن عمر رضي الله عنهما. أنه كان إذا أراد أن يتعاهد قلبه، يأتي الخربة يقف على بابها فينادي بصوت حزين: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول: {كل شيء هالك إلا وجهه}.وأخرج أحمد في الزهد عن ثابت رضي الله عنه قال: لما مات موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام جالت الملائكة عليهم السلام في السموات يقولون: مات موسى عليه السلام فأي نفس لا تموت!. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: قال السمين:قوله: {فَلاَ يُجْزَى الذين} مِنْ إقامةِ الظاهرِ مُقامَ المضمرِ تَشْنيعًا عليهم.قوله: {إِلاَّ مَا كَانُوا} أي: إلاَّ مثلَ ما كانوا.قوله: {إلى مَعَادٍ} تنكيرُه للتعظيم أَيْ: مَعادٍ أيِّ مَعادٍ وهو مكةُ أو الجنة.قوله: {مَن جَاءَ بالهدى} منصوبٌ بمضمرٍ أي: يعلمُ أو ب أَعْلم، إنْ جَعَلْناها بمعنى عالم وأَعْمَلْناها إعمالَه.قوله: {إِلاَّ رَحْمَةً} فيه وجهان، أحدهما: هو منقطعٌ أي لكنْ رَحِمَكَ رحمةً. والثاني: أنه متصلٌ. قال الزمخشري: هذا كلامٌ محمولٌ على المعنى. كأنه قيل: وما ألقى إليك الكتابَ إلاَّ رحمةً فيكونُ استثناءً من الأحوالِ أو من المفعولِ له.قوله: {وَلاَ يَصُدُّنَّكَ} قرأ العامَّةُ بفتح الياء وضمِّ الصاد، مِنْ صَدَّه، يَصُدَّه. وقٌرِىء بضمِّ الياء وكسرِ الصاد مِنْ أصَدَّه بمعنى صَدَّه، حكاها أبو زيدٍ عن كلبٍ. قال:وأصلُ يَصُدُّونك: يَصُدُّونَنَّك، فَفُعِل فيه ما فُعِل في {لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود: 8].قوله: {إِلاَّ وَجْهَهُ} منْ جَعَل شيئًا يُطْلَق على الباري تعالى وهو الصحيح قال: هذا استثناءٌ متصلٌ، والمرادُ بالوجهِ الذاتُ، وإنما جرى على عادةِ العربِ في التعبير بالأشرفِ عن الجملة. ومَنْ لم يُطْلِقْ عليه جَعَله متصلًا أيضًا، وجعل الوجهَ ما عُمِل لأجله أو الجاهَ الذي بين الناس، أو يجعلُه منقطعًا أي: لكن هو بحاله لم يَهْلَكْ.قوله: {تُرْجَعُونَ} العامَّةُ على بنائِه للمفعولِ. وعيسى على بنائِه للفاعل، وهي حسنةٌ. اهـ. .من لطائف وفوائد المفسرين: .من لطائف القشيري في الآية: قال عليه الرحمة: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} ثواب الحسنةِ في التضعيف، وأمرُ السيئةِ بناؤه على التخفيف.والمؤمنُ- وإن كان صاحبَ كبائر- فسيئاتُه تَقْصُرُ في جَنْبِ حسناتِه التي هي إيمانُه ومعرفتُه.{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}.{لَرَآدُّكَ إِلَى مَعَادٍ} في الظاهر إلى مكة. وكان يقول كثيرًا: الوطن الوطن، فَحَقَّقَ اللَّهُ سُؤْلَه. وأَمَّا في السِّرِّ والإشارة فإنه {فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ} أي يَسَّرَ لك قراءةَ القرآن، والمَعَادُ هو الوصفُ الذي كانت عليه روحُك قبل حلول شَجِّك من مُلاَدغات القُرْبِ ومطالعات الحقِّ. وقيل الذي ينصبك بأوصاف التفرقة بالتبليغ وبسط الشريعة لرادُّك إلى عين الجمع بالتحقُّق بالحقِّ والفناء عن الخَلْق. ويقال إن الذي أقامك بشواهد العبودية فيما أثبتك به لرادُّك إلى الفناء عنك بمحقك في وجود الحقيقة.{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ (86)} ما كنت تؤمِّل مَحَلَّ النبوة وشرف الرسالة وتأهيل مخاطبتنا إليك، ولا ما أظهرنا عليكَ من أحوال الوجد وحقائق التوحيد.{وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (87)} لا يصدنَّك بعد إذ أنزلت إليك الآيات ما وجدته بحكم الذَّوْبِ والشهود، والإدراك والوجود. لا تتدَاخَلَنَّكَ تُهْمةُ التجويز وسؤالاتُ العلماء بما يَدَّعُونَ من أحكام العقول؛ فَمَا يُدْرَكُ في شعاع الشمس لا يَحْكُمُ ببطلانه خفاؤُه في نور السراج.{وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} كلُّ عملٍ باطلٌ إلا ما كان لوجه الله وللتقرب به إلى الله.كلُّ حيِّ ميت إلا هو، قال تعالى: {إِنِ امْرُؤٌا هَلَكَ} [النساء: 176]: أي مات؛ فكلُّ شيءٍ مُعَدٌّ لجواز الهلاك والعَدَم، ولا يبقى إلا {وَجْهَهُ} ووَجْهُهُ صفةُ من صفاته لا تستقل إلا به فإذا بقي وجهُه فَمِنْ شرط بقاء وجهه بقاءُ ذاته؛ لأن الصفة لا تقوم إلا بموجود، ولا يكون هو باقيًا إلا بوجود أوصافه الذاتية الواجبة له؛ ففي بقاء وجهه بقاء ذاته وبقاء صفاته.وفائدة تخصيص الوجه بالذكر هنا أنه لا يُعْرَفُ وجوبُ وجهه إلا بالخبر والنقل دون العقل؛ فخَصَّ الوجه بالذكر لأنَّ في بقاء الوجه بقاء الحقِّ بصفاته. اهـ..قال ابن القيم: فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المراد:أفردها القوم بالذكر وفي الحقيقة: فكل مريد مراد بل لم يصر مريدا إلا بعد أن كان مرادا لكن القوم خصوا المريد بالمبتدىء والمراد بالمنتهي قال أبو علي الدقاق: المريد متحمل والمراد محمول وقد كان موسى مريدا إذ: قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] ونبينا كان مرادا إذ قيل له: ألم نشرح لك صدرك وسئل الجنيد عن المريد والمراد فقال: المريد يتولى سياسته العلم والمراد: يتولى رعايته الحق لأن المريد يسير والمراد يطير فمتى يلحق السائر الطائر.فصل:باب المراد قال الله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86] أكثر المتكلمين في هذا العلم جعلوا المريد والمراد اثنين وجعلوا مقام المراد فوق مقام المريد وإنما أشاروا باسم المراد إلى الضنائن الذين ورد فيهم الخبر قلت: وجه استشهاده بالآية: أن الله سبحانه ألقى إلى رسوله كتابه وخصه بكرامته وأهله لرسالته ونبوته من غير أن يكون ذلك منه على رجاء أو ناله بكسب أو توسل إليه بعمل بل هو أمر أريد به فهو المراد حقيقة وقوله: إن أكثرهم جعلوا المريد والمراد اثنين فهو تعرض إلى أن منهم من اكتفى عن ذكر مقام المراد بمنزلة الإرادة لأن صاحبها مريد مرادوأما إشارتهم إلى الضنائن فالمراد به: حديث يروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية ويميتهم في عافية والضنائن الخصائص يقال: هو ضنتي من بين الناس بكسر الضاد أي الذي أختص به وأضن بجودته أي أبخل بها أن أضيعها.وقد مثل للمريد والمراد بقوم بعث إليهم سلطانهم يستدعيهم إلى حضرته من بلاد نائية وأرسل إليهم بالأدلة والأموال والمراكب وأنواع الزاد وأمرهم بأن يتجشموا إليه قطع السبل والمفاوز وأن يجتهدوا في المسير حتى يلحقوا به وبعث خيلا له ومماليك إلى طائفة منهم فقال: احملوهم على هذه الخيل التي تسبق الركاب واخدموهم في طريقهم ولا تدعوهم يعانون مؤنة الشد والربط بل إذا نزلوا فأريحوهم ثم احملوهم حتى تقدموهم عليفلم يجد هؤلاء من مجاهدة السير ومكابدته ووعثاء السفر ما وجده غيرهم ومن الناس من يقول: المريد ينتقل من منزلة الإرادة إلى أن يصير مرادا فكان محبا فصار محبوبا فكل مريد صادق نهاية أمره: أن يكون مرادا وأكثرهم على هذا وصاحب المنازل كأن عنده المراد هو المجذوب والمريد هو السالك على طريق الجادة.فصل:قال: وللمراد ثلاث درجات الأولى أن يعصم العبد وهو مستشرف للجفاء اضطرارا بتنغيص الشهوات وتعويق الملاذ وسد مسالك المعاطب عليه إكراها يعني: أن العبد إذا استشرفت نفسه للجفاء بينه وبين سيده بموافقة شهواته عصمه سيده اضطرارا بأن ينغص عليه الشهوات فلا تصفو له ألبتة بل لا ينال ما ينال منها إلا مشوبا بأنواع التنغيص الذي ربما أربى على لذتها واستهلكها بحيث تكون اللذة في جنب التنغيص كالخلسة والغفوة وكذلك يعوق الملاذ عليه بأن يحول بينه وبينها حتى لا يركن إليها ولا يطمئن إليها ويساكنها فيحول بينه وبين أسبابها فإن هيئت له قيض له مدافع يحول بينه وبين استيفائها.فيقول: من أين دهيت وإنما هي عين العناية والحمية والصيانة وكذلك يسد عنه طرق المعاصي فإنها طرق المعاطب وإن كان كارها عناية به وصيانة له.فصل:قال: الدرجة الثانية: أن يضع عن العبد عوارض النقص ويعافيه من سمة اللائمة ويملكه عواقب الهفوات كما فعل بسليمان عليه السلام حين قتل الخيل فحمله على الريح الرخاء فأغناه عن الخيل وفعل بموسى عليه السلام حين ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه ولم يعتب عليه كما عتب على آدم عليه السلام ونوح ودواد ويونس عليهم السلام والفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها: أن في التي قبلها منعا من مواقعة أسباب الجفاء اضطرارا وفي هذه: إذا عرضت له أسباب النقيصة التي يستحق عليها اللائمة لم يعتبه عليها ولم يلمه وهذا نوع من الدلال وصاحبه من ضنائن الله وأحبابه فإن الحبيب يسامح بما لا يسامح به سواه لأن المحبة أكبر شفعائه وإذا هفا هفوة ملكه عاقبتها بأن جعلها سببا لرفعته وعلو درجته فيجعل تلك الهفوة سببا لتوبة نصوح وذل خاص وانكسار بين يديه وأعمال صالحة تزيد في قربه منه أضعاف ما كان عليه قبل الهفوة فتكون تلك الهفوة أنفع له من حسنات كثيرة وهذا من علامات اعتناء الله بالعبد وكونه من أحبابه وحزبه وقد استشهد الشيخ بقصة سليمان عليه السلام حين ألهته الخيل عن صلاة العصر فأخذته الغضبة لله والحمية فحملته على أن مسح عراقيبها وأعناقها بالسيف وأتلف مالا شغله عن الله في الله فعوضه الله منه: أن حمله على متن الريح فملكه الله تعالى عاقبة هذه الهفوة وجعلها سببا لنيل تلك المنزلة الرفيعة واستشهد بقصة موسى حين ألقى الألواح وفيها كلام الله عن رأسه وكسرها وجر بلحية أخيه وهو نبي مثله ولم يعاتبه الله على ذلك كما عتب على آدم عليه السلام في أكل لقمة من الشجرة وعلى نوح في ابنه حين سأل ربه أن ينجيه وعلى داود في شأن امرأة أوريا وعلى يونس في شأن المغاضبة وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: وكذلك لطم موسى عين ملك الموت ففقأها ولم يعتب عليه ربه وفي ليلة الإسراء عاتب ربه في النبي صلى الله عليه وسلم إذ رفعه فوقه ورفع صوته بذلك ولم يعتبه الله على ذلك قال: لأن موسى عليه السلام قام تلك المقامات العظيمة التي أوجبت له هذا الدلال فإنه قاوم فرعون أكبر أعداء الله تعالى وتصدى له ولقومه وعالج بني إسرائيل أشد المعالجة وجاهد في الله أعداء الله أشد الجهاد وكان شديد الغضب لربه فاحتمل له ما لم يحتمله لغيره وذو النون لما لم يكن في هذا المقام: سجنه في بطن الحوت من غضبة وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
|